تابعني على تويتر

الأحد، 29 ديسمبر 2013

مشكلة الخلود و الإنسان ...


طرحت قبل سنتين في مدونتي الجميلة و صندوق أفكاري تدوينة بعنوان " لماذا خلقنا الله؟!.. " و كانت أول مرة أمسك فيها قلم و حبر أفكاري لأصيغها على شكل كلمات تصف ما يجول في داخل عقلي ليراها الناس في شكل ما .. و هو السؤال الذي لم أصل و لن أصل الى اجابة عليه .. تفاعل معي الكثير ... منهم الناصح و منهم المستنكر و منهم من تاه و منهم من نظر لي بنظرة الشفقة كيف لهذا الغبي ان يفكر بمثل هذه الكيفية ؟ .. و هذا السلوك الطبيعي لنا معشر البشر إذ نصنع لأنفسنا صناديق نضع بداخلها الناس لمعرفة كيفية التعامل معها و كأننا بالضرورة أن نتعامل معها .. مما أدى بي أو ألهمني لخط تدوينة أخرى بعنوان " لكل فعل ردة فعل .. " بعد صدام عنيف مع البعض في موضع آخر ..

في نقاش عصف فكري و تفكير بصوت عالٍ بدأت نقاشي مع أحدهم لأُلهم الجرأة لطرح أمر قد يكون تصوري عنه جريء بعض الشيء عن الخالق و التزامنا بالنصوص التي وردتنا عن الخالق و التي بلا شك ستحد من مساحة الحرية الفكرية لنا في المحصلة النهائية .. فبعد نقاشي مع أحد رجال الدين ممن يتبعون المذهب الشيعي يوما ما كان أول سؤال طرحته عليه هو " هل مذهب الشيعة مذهب عقلي أم نقلي؟ " فأجابني دون تردد بأنه عقلي يدعمه النقل .. و هو أمر جميل نظريا و لكن عملياً سيعيق الكثير من حراكنا الفكري في النتيجة .. فعند وصول العقل الى يقينٍ بمصدر النقل لا بد و ان نعود لنفس النقطة و هو " النَّص " و بالتالي تعطيل جانب يكبر و يصغر حسب العقل المتلقي ..

بلا أدنى شك كلامي غير مقبول بالنسبة للمؤمنين بأي قضيةٍ ما ينتمون الى أي مدرسة فكرية كانت يترأسها بشر بعيداً عن التمثيل بأشخاص أو مناهج .. و لكني أردت مشاركة الآخرين ما يجول بخاطري عله يكون مفيداً لأحدهم ليبدأ العمل و المضي قدماً باتخاذ خطوة الى الامام و بدورها تكون نهاية العهد القديم و بداية عهد جديد أجمل من زاوية المتقدم ..

النصوص تدلنا على أن الرب يتجلى في صورة مخلوق رغم ضعف المخلوق نسبةً لخالقه و مع هذا يظهر له في صور عدة لو تفكرنا قليلاً لوجدناه من حولنا في كل مكان .. مما يوافق النصوص و هنا أريدك عزيز القارئ و عزيزتي القارئة للتفكر في كلامي و صياغة أمثلة ما بينكم و بين عقولم و لوحدكم فيما ذكرت و ستجدونه أمامكم بوضوح ..
بعد اتضاح الخالق لكم هذا القوي و المثالي و الجميل .. فلنسأل عقولنا ..هل هو ضعيفٌ لحد أن يتجلى في مخلوقاته؟ أم لضعف عقولنا و قلة إدراكنا نراه في صور ضعيفة يحدها بشيء أو بشر أو فكرة حتى تدور في مخيلتكم ؟ .. طبعاً الجماعة المؤمنة بشدة ستميل دون تفكير إلى الخيار الثاني لحل هذه المعضلة التي ستضرب الكثير من مما يعتقدون و خوفهم من مجابهة واقعٍ ما يحد من مجال حراكهم العقلي .. ولا ألومهم و لست بصدد لوم أحد فهناك كثير من الظروف التربوية جعلتهم جبناء إلى الحد الذي يجبرهم على "حد" عقولهم بالأشياء ..

ذات مرة قبل أكثر من سبع سنوات و في نقاش مع أحد الأصدقاء كان يصيغ لي تمثيلاً للجنة التي يصفها النص بطريقة مغايرة تماماً للنص الذي نتداوله و هي أن الجنة كما لو تكون دار عبادة نعبد فيها خالقنا بشهوة عارمة و إشباع لا محدود بعبادته –أي الخالق- و لكن لضعف إدراكنا و اهتمامنا بما بين أرجلنا و بطوننا راح يمثله لنا بشكل أهم الشهوات التي تشغل عقولنا و هي "الجنس/الطعام" فلو راجعنا النصوص الدينية كلها تدور حول هذا المحور .. المحور الذي لا نريد فهم غيره و لكننا نصطدم بأمر مهم لو فكرنا فيه .. أتذكر أحد النصوص لعلي ابن ابي طالب و هو نص جميل يتكلم في عن الملائكة و الحيوانات و البشر و يصف فيه ان الملائكة عقل مطلق لا شهوة لها و ان الحيوانات شهوة مطلقة لا عقل لها و أن الإنسان خليط من الشهوة و العقل فإن صار عقله مسيطرا على شهوته صار أعلى رتبةً من الملاك و إن باتت شهوته طاغية على عقله فأنه أدنى رتبه من الحيوان ... بالتالي عند الحياة الاخرة و هي حياة الخلود ما هي الا حياة العقول التي ترفض الشهوات بالتالي كيف لعقلي أن يتجه الى الشهوات الفائضة عن الحاجة الحيوية كالطعام بالكم الكاف لأكمل حياتي و أغذي عقلي الذي أفكر به و انتقل إلى مرحلة الشهوة المفرطة و أمارس الجنس لمئات السنين ؟؟ .. و هنا سأصدم معكم بنص آخر الذي يصف أن الجنة لا أذن سمعت و لا عين رأت ولا خطر ببال بشر .. و بفرض أني أحد هؤلاء البشر من الواجب أني و إن وصلت إلى أين ما وصلت أن لا أستطيع تخيل شكل و كيفية جنة الخلود .. فكيف بوصف النص للجنة "كإشباع كامل لجميع الشهوات" من منطلق النص أو من منطلق العقل و تحليله بأنها العبادة الذيذة المُشيعة لشهواتي و التي تجعلني احتقر الشهوات .. كيف لها ان تخطر ببالي؟ .. (ما علينا .. )

مما لا شك فيه أن محمداً نبي الإسلام شخص عبقري و عظيم حيث أنه أوجد بطريقة أو بأخرى نموذجاً قوياً لقضية البشر منذ الأزل و هي الرغبة في الخلود .. إن أقدم مخطوطة أو ملحمة سمّها ما شئت مكتوبة باللغة المسمارية مرت على تاريخ البشرية هي ملحمة جلجامش التي يصفها الجميل العراقي الراحل –عالِم سبيط النيلي- بأنها قصة ذي القرنين و دون الدخول في تفاصيلها او تفاصيل رأيه فيها نجد أن جلجامش سافر و خاض تجارب و حروب عدة بحثاً عن الخلود .. و إن ابتعدنا عن العواطف و أخذناها على أنها من تأليف بشر ليس جلجامش نفسه فأنها تصيغ ما يجول ببال هذا البشر .. حتى و إن كانت من وحي خياله .. فنرى من هذه المخطوطة الحجرية رغبة عظيمة بأن يكون جلجامش خالداً الى الابد بجسده و هو مالا يمكن تحقيقه لضعف جسم البشر و عدم قابليته للخلود .. و مع هذا راح يقاتل من أجل قضيته .. و الفراعنة كذلك الذين أبدعوا بما لم يصل له أحدٌ قط مثلهم في علم التحنيط و حال دون الوصول لما وصل له هؤلاء العظماء قبل سبعة آلاف سنة و و الذي كان رغبة منهم في تخليد الجسد اعتقاداً منهم أنهم سيعودون يوما ما ليخلّدوا بهذا الجسد و إن ماتوا .. فنجد ذلك التشبث العظيم بالحياة .. و أمثلة عديدة للبشر قد يطول سردها في الرغبة بالوصول لحل للخلود .. فعندما أتى محمد برسالة الإسلام كان إنموذجاً عظيماً ليخمد به شهوات البشر بالخلود و الحياة الآخرة الخالدة ..

لست بصدد مناقشة رسالة الإسلام و لكني فعلا أرى عظمة ذلك الإنسان بإيجاد حل يريح عقول البشر من –التفكير- في قضية مستحيلة التحقيق بأجساد ضعيفة و إشغالهم بقضايا أخرى لم يفهموها ليومنا هذا فراحوا يبحثون عن القشور بينما كان يريد منهم العمل و الإنجاز و التطوير في العلوم التي بدورها تصنع مستقبلاً أجمل للأجيال القادمة بدلا من الدفاع عن معتقداتهم الشخصية بعيداً عن العواطف و الميول الشهوية ..

النتيجة التي أود منكم أحبتي التفكير في أبعادها :-
العقل مطلق و الإنسان محدود ... فكروا كثيراً و أعطوا شهواتكم قليلاً ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق