تابعني على تويتر

الأحد، 2 فبراير 2014

الكلِم الطيّب ..

قبل فترة شاهدت برنامجاً على قناة BBC عن قبيلة تعيش في أدغال المكسيك .. كان يحاول الباحث أو مقدم البرنامج الحفاظ عليهم كما هم .. فكان البحث الذي قام به من خلال استخدام كاميرات عالية الدقة و يمكن من خلالها التصوير مع الأصوات لكي لا يختلط بهم مباشرةً و حسب ما يدّعي انهم آخر القبائل التي لم تتواصل مع العالم الخارجي .. يعيشون حياة بدائية جداً عراة الأجساد .. يصدرون أصواتا بالصراخ و غيرها .. يقلدون الحيوانات و أصوات تعلموها من الطبيعة فيستخدمونها كلغة للتواصل .. من ضمن الأمور التي نتجت عن بحثه أنهم عند وصول الذكر منهم لسن اللوغ يقوم ببناء صرحٍ ضخم ليثبت رجولته و فحولته .. و هذا الصرح ليس هندسة عظيمة كما هو الحال لدينا في هذه الأيام ... لا بل هو خطير جداً فهو مبنيٌ من القصب ولم أفهم حقيقةً كيف يمكن لهذا القصب تحمل هذا الضغط حيث انه عند إنهاء بنائه يصعد إلى أعلاه و يصدر أصواتاً من الأعلى .. على كل حال هدفه من تصوير ذلك البرنامج الوثائقي كان من أجل الاحفاظ على عذرية القبيلة من وحشية السياسات الدولية و أطماع البشر .. فهو يعتقد أنهم طيبون لوجودهم على سجيّتهم و كما خلقهم ربهم ..

كيف و لماذا نتواصل؟
كان الإنسان البدائي مثله مثل الحيوانات يصدر أصواتاً من خلالها يحاول التواصل مع الطبيعة لتصل رسالة معينة من خلالها ..
ما هي الكلمات؟
هي اصوات معينة طورها البشر ليرسلوا من خلالها مضافاً إليها أحياناً بعض الإشارات لتسهيل مسيرة الحياة ..
ما هو الإسلوب؟
و يتمثل في زيادة و نقصان كمية الهواء الصادر من الحلق مع شدة الضغط على الحنجرة لتنتج لنا توليفة معيّنة من الموسيقى الجميلة أو غير الجميلة مضافاً لها إشارات جسدية من خلالها يسهل وصول الرسالة المراد إيصالها ... ولا بد أن لا نغفل عن أهميته في إيصال مقاصدنا بصورة أكثر دقة لتصل كما نريد نحن ليتم فهم الرسالة كما نريد فالرسالة من مرسل إلى مستقبِل ولا يوجد مرسِل يريد أن لا تصل رسالته للمستقبِل بصورة مغايرة لما يريد هو ...
ما هو أثر الكلمات مع الإسلوب؟
كثيرٌ منّا لا يعي الأثر الحقيقي للكلمات و الإسلوب المستخدم في إيصال الرسائل التي يتلفظها لحظة الحب / السعادة / الحزن / الكره / الغضب / ..إلخ .. أو يعي أثرها و لكن تأخذه العزة بالإثم فيكابر فلا هو الذي أرسل رسالته كما يريد ولا المستقبِل اخذها كما هو مطلوب بالتالي تنتج المشكلة موضع سوء التفاهم ... و كان في هذا الصدد بحث جميل للعراقي الراحل عالم سبيط النيلي الرائع في هذا المشكل في كتاب سماه "الحل القصدي في مواجهة الإعتباطية" و له أيضاً محاضرة على موقع YouTube عنها يوضح من خلالها كيفية التعامل مع المقاصد لا الرسائل المرسلة بالكلمات المرسلة ..

ذات يوم و في أحد المحاضرات الدينية كان هناك طرح لسؤال قد لا يتجرأ الكثير على التفكير فيه و قد أجاب المحاضر إجابة فلسفية قد لا تعجب القلّة من الناس و  السؤال كان عن الخالق .. "إذا كان الخالق خلق كل شيء ، فكما خلق الخير خلق الشر ، فلماذا يخلق الشر؟" قد يراه البعض نوعاً من الاتزان الطبيعي و البعض الآخر يجلس حائراً و آخر يقول ما لي و التفكير في أمر تافهٍ كهذا .. ولا أملك أي وصاية على أيٍ منهم و ما أنا إلا ناقل لما أجابه ذلك المحاضر فقال "إن الله خلق الخير .. و انعدام الخير يتولد عنه أمر جديد أسميناه الشر" و قد يشفي غليل الكثير فكرياً .. و سأترك المجال لكم للتأمل في الجواب ..

عندما نصف شخصاً معيناً بأنه جميل فبلا شك سيمتنّ لنا ابتداءً و سيكون له أثر جيد في انتاجيته بعد إيصال تلك الرسالة ... و هذا لا أعتقد أنه غير واضح للجميع فلن نفصل فيه هو و عكسه عندما نصفه بوصف غير جميل كـ"قبيح" مثلاً سيؤثر سلبا عليه و عليك ..
أحبتي عند استخدام الكلمات الجميلة مع الجميع (الصديق و العدو) ينتشر الود و السلام بين الجميع .. و ذلك ليس من باب المثالية و ادعاء ما لا نقوم به .. كلنا غير معصومين عن الخطأ و لكني أعكس لكم أحبتي تجربتي الخاصة في التعامل الغير حسن و الحسن .. إن لها دوراً محسوساً و سريع الأثر على كل ما هو حولنا و كيفية نظرتنا لكل ما يحيط بنا من أحياء و جمادات .. و إن استبدال كلمة قبيح بكلمة غير جميل لها أثر ألطف بكثير لمستقبِل تلك الأصوات .. و أثرها ليس فقط على المستقبِل كما يعتقد الكثير .. بل يمتد الأثر لينال منها مرسلها ولو الشيء القليل .. فالنفس تمرض و تشفى و مما يمرضها إيذاء الآخرين بالكلمات الجارحة و تشفى بالإعتذار .. عندما تحب الإنسان لكونه إنسان بعيداً عن ما تعتقد مما يتكون هذا الكيان الإنساني و إن رأيت منه غير ما يسرك ... لا يوجد في هذه الدنيا وحوش بشرية بل هم ضحايا مؤثرات خارجية طرأت عليهم من مرسلين آخرين الذين بدورهم تأثروا من آخرين .. إن أفضل طريقة و أجمل وسيلة لمحاربة الشر هي نشر السلام و التواد و التراحم و يا من تلزم نفسك بدين الإسلام فإن رسالة قائدك و معلمك و مصدر كل ما أنت تُلزم نفسك به يقول " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " .. و أين نحن من الأخلاق أساساً هذه الأيام؟ و لو لاحظنا كيفية إرساله للكلمة الجميلة يقول لأتمم .. أي لا ينفي الأخلاق عن المستقبِل فيرسل لهم إنتم أناسٌ جميلون و على خُلُقٍ جميل و لكني سأملأ لكم بقايا روحكم من الأخلاق الكريمة لألا يتسع مكان لما هو غير جميل ...

أحبكم جميعاً و أعتذر إن أذيت أحداً بقصد أو بغير قصد و سأختم بكلمة قرأتها للجميل وديع سعادة ..

"هل جلستم مرّةً مع العدم؟
كيف لعدميٍّ إذن أن يوصل إلى الممتلئين بالحياة كلاماً مفهوماً؟ كيف يقنعهم بأنَّ الكلمات مخلوقات أخرى غير ما يعتقدون، لها طبائعها وأمزجتها ومفاهيمها التي لن تخطر لهم على بال؟ مخلوقات شبحيّة متقلّبة خبيثة ومفترسة. تكون تمضغهم في الوقت الذي يعتقدون أنّهم ينطقونها. وتكون تُضلّلهم في الوقت الذي يعتقدون أنّها الطريق. وتقتلهم حين يظنّون أنّهم يحيون بها، ويحيون إذ يمحونها ..
-وديع سعادة-"