تابعني على تويتر

الخميس، 28 فبراير 2013

القطيع و المجتمع الإنساني

مصدر الصورة: http://islahnews.net/?p=120430


هناك الكثير من المعلومات اليومية التي تمرّ علينا يومياً خلال مشاهدة البرامج الوثائقية المليئة بالحِكم و التحليلات المنطقية و لكن قلما نربطها بالواقع الذي نعيشه ، و من خلال اسفارنا و التعرف على عادات و تقاليد البشر المختلفة من محيط لآخر و من زمنٍ لآخر و التغييرات التي تطرأ على هذه المجتمعات و مع هذا قد نغفل أو نتهرب من الواقع الذي يبدأ تغييره من الفرد نفسه .. قال تعالى –( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )- [الرعد:11].

كما رأينا في البرامج و قرأنا أن أغلب الحيوانات و الطيور تعيش في شكل جماعات ، تتشارك الطعام و الشراب و حتى التنقل من مكان لآخر كجماعة بحثاً عن لقمة العيش او الظروف البيئية الأكثر انسجاماً مع أجسامها التي قد لا تتحمل قساوة الشتاء أو لهيب الصيف ، فنرى بعض الطيور لا تظهر الا في الشتاء أثناء رحلاتها و أخرى تتكاثر في الصيف و كما هو الحال في أعماق البحار بالمثل مع الاسماك الصغيرة و الحيتان الضخمة كذلك ، و في تلك الجماعات فوائد جمّة بالنسبة لهم كحيوانات منها الحفاظ على النوع و الشعور بالأمان و الاستقرار من ناحيتين أو احدى اثنتين و هما تقليل المخاطر (كفريسة) و الشعور بالأمان و الانتماء الى القبيلة الواحدة التي كلما زادت زادت قوتها و بالتالي سهولة توفير الطعام.

بالنسبة لنا كبشر لا نختلف كثيراً عن المجتمعات الحيوانية بل نكاد أن نكون مثلهم تماماً مع وجود فارق ميزنا عنهم و هو العقل المدرك الذي جعلنا أسياداً على هذا الكوكب الصغير ، و مع هذا التميز فقد وجدت أنه عيبٌ في الوقت نفسه بأن سيادته بالعقل تحولت إلى غرور أخذه إلى تملّك مالا يملك إلى أن وصل الأمر به أن قسّم دوَلاً تسيّدها (قطعان) و على أساس قوة إدراك العقول كانت قوة الدول على مر السنين ، و داخل هذه الدول تشكّلت دويلات صغيرة و كبيرة من الاتجاهات الفكرية المختلفة و كلُّ دويلة مستعدة لدفع أتباعها للموت بعض الأحيان مقابل بقاء الجماعة.

في الحقيقة أنا أعتقد بأنه من المستحيل أن تعيش المجتمعات الإنسانية إلا كقطيع و لو طبقنا الفكرة على كل واحد منّا فسنرى أننا لا نختلف في إسلوب الحياة عن الحيوانات ، تتمثل الفكرة في وجود ثلاث مكونات رئيسية و المكوّن الأول هو الراعي و المكوّن الثاني هو الكلب و المكوّن الثالث هو عامة القطيع و هذا الذي ميّز القطيع البشري عن سائر القطعان الأخرى (أي الهرم الإداري) حيث أن المجتمعات الحيوانية في ((أغلب)) الأحيان تدمج المكوّنين الأولين في واحد (الراعي و الكلب) ، و للتفصيل الراعي هنا المقصود به القائد السياسي و المُعلن في الواجهة الإعلامية و العلاقات الخارجية .. أما الكلب فيكون تحت إمرة الراعي و هو القائد الروحي و المُلهم فهو بالتالي قائدٌ على نطاق أضيق يأتمر بإمرة راعيه ولكن كلمته اكثر فاعلية من الراعي .. أما الثالث و هو القطيع المتمثل في (أنا و أنت) مجموعة أدوات يستخدمها الراعي بواسطة الكلب لأداء مصالحه الشخصية بإسم المصلحة العامة للقطيع .. و بطبيعة الحال في كثير من الاحيان تنحرف احدى مكونات القطيع بفكرة جديدة أو مختلفة عن المألوف الذي نشأ عليه هذا القطيع فإذا بنباحٍ من الكلب زاجراً تلك المعزة الصغيرة دون اتاحة الفرصة لها لا لأن تأكل من ذاك المرعى الاخر ولا أن تتعلم على الاقل بأن مذاق ذلك العشب مُر أو غير صالح للأكل.

هنالك الكثير من القطعان في كوكبنا الصغير المترامية على تلال التيارات الفكرية في كل مكان .. و من الصعب جداً الانسلاخ من أي قطيع و العيش بسلام على شكل أفراد ناهيك عن وجوب الانضمام لقطيع آخر لإكمال مسيرة الحياة لمعزةٍ مسالمة.

أخيراً إنه لمن المؤسف أن يعتقد البعض و منهم أنا شخصياً بأن الحل هو في الهجرة و هذه نظرة ضيقة جداً و غير مدركة لأمور كثيرة و على رأسها الاعتقاد بأن هناك ما يسمى بالحرية حسب مفهومي الشخصي آنذاك .. إن في الحياة مع القطيع الآخر راعياً و كلباً آخرين يمارسان نفس الممارسات عينها و لكن مع اختلاف التوجه المخطط له من قِبَلِهم لا أكثر ولا أقل ، فتكون ببساطة انتقلت من قطيع يمنع اكل العشب الذي تحبه الى القطيع الذي ياكل العشب الذي طالما تمنيت الأكل منه .. و لكن القطيع هو القطيع.

آخراً فهنا من الجيّد أن نختم بالنهاية السعيدة و هي أن حياة القطيع ليست كلها مساوئ ؛ فقد تكون الطريقة المثلى أو الأنسب لنا كبشر معتقدين بأننا مختلفين لمجرد وجود العقل الذي لم نستخدم شيئاً من طاقاته ، و لكن سنبدأ بالمساوئ لخاتمةٍ سعيدة .. من مساوئها ضياع الفكر الفردي و عدم وجود المحفزات للإبداع و الابتكار لما يحفها من مخاطر قد تودي بحياة المفكر الى الفناء و هنا إضعاف للفرد و بالتالي الجماعة ، و من فوائدها سهولة القيادة بعدم ظهور المختلف عن التيار العام و الاتفاق الظاهري فالخروج بصوره الوحدة القطيعية.