تابعني على تويتر

الأحد، 12 مايو 2013

تيسون و الراعي ...

مصدر الصورة : http://www.forum.an3m1.com/t91649.html
يحكى أنه و في أحد الصحاري البعيدة قطيعٌ من أزواج الخراف يعيشون بسلام و يأكلون البرسيم في كل صباح و مساء دون أن يعكر صفو مزاجهم أحد ، و في ليلة ظلماء كان ما لم يتوقعه أحد إذ هاجمهم قطيعٌ من الذئاب المفترسة فقتلوا منهم مقتلة عظيمة تزيد عن حاجتهم في الأكل ، فراحت تلك الأغنام تجري فزِعة لا تدري إلى أين تولّي وجهها ، إلى أن تعبت الذئاب فلاذت بالإنصراف .. تجمعت الأغنام المتبقية باكيةً على ما جرى عليها من مصابٍ عظيم ، فتيتّم من تيتّم و ترمّل من ترمّل ، و من ثم نام القطيع بعد ان خارت قواه بين الهرب و البكاء.
أصبح صباح اليوم الثاني و هو ليس كعادته صباح جميل حيث الخراف كانت تستعيد قواها تدعو الله ان يبعد عنها وحوش الصحراء .. أكلت البرسيم كعادتها الى أن حل المساء و تكررت المأساة من جديد ، و أصبحت صبيحة اليوم الذي يليه و إذا بصوت كلب من بعيد فتوجست الخراف لا تدري ما تصنع و أصبحت في ريبةٍ من أمرها .. أهي الذئاب أم ماذا!! .. اقترب الصوت و إذا برجلٍ و معه كلبا حراسة ، وصل الرجل و رأى قطيعاً لا بأس به في صحةٍ جيدة و إن لم يخلو من بعض الخراف المتضررة إثر هجمات الذئاب المتتالية .. فقرر الرجل أن يبدأ رعاية الأغنام بعد مشاورة رئيسها .. فراح لأكبر تيس و قال له : مم تشتكون ؟؟ رد عليه : انظر يا بني إلى قبيلتي .. نحن هنا من القِدَم نعيش بأمانٍ في هذه الصحراء .. نتنقل اينما توفر الماء و الطعام و نعيش حياةٍ هنيئة .. إلى ان ظهرت الذئاب في الأرجاء فعكرت صفو حياتنا .. قاطعه الرجل فقال له : إذا أنتم لا تحتاجون إلا لمن يحميكم .. رد التيس : نعم يا بني .. فوعده الرجل بتوفير الحماية مع بعض الشروط و منها التنفع بصوفهم و روثهم و التضحية ببعض أفراد القطيع بين الفينة و الأخرى بدلا من التضحية بالجميع و هي النتيجة المنطقية إن تُرِكوا للذئاب .. فقرر كبير الخراف بحكمته و رجاحة قراراته ان ينصاع تحت حكم الرجل و فعلا عاشوا حياة أكثر أماناً.
و مع الأيام رُزِقَت أحد تلك الأزواج بتيسٍ صغير أسموه "تيسون" ، أحبّوه و علموه كل ما تعلموه في ما مر عليهم من أيامً مضت و خبراتٍ تعلموها .. كَبُرَ ذلك التيس الجميل و كله أحلام و طموح لتطوير ذلك القطيع فيكون ذو فائدة و بصمة حميدة ، فراح يبحث عن الفرص التي من خلالها يمكنه أن يحقق احلامه ، ففكر بتجارة البرسيم المسمسم (برسيم بالسمسم) حيث أنه ملّ من أكل البرسيم العادي يومياً فقد رأى فيها فرصةً استثماريةً جيدة .. فبدأ بترتيب أفكاره و قرر أن يبدأ العمل .. بدأ العمل بالفعل و راح يشتري السمسم من خارج البلاد حيث أن هناك غابة بعيدة تنتج السمسم الجيّد و اللذيذ .. بعد فترة من العمل الشاق انتبه الراعي أن الأغنام لم تعد تأكل البرسيم الذي معه و تأكل من برسيم التيس الصغير "تيسون" .. ففكر الرجل بأن يستفيد من ذلك التيس المسكين فأسرع له قائلاً : اسمع يا تيسون .. لولا وجودي هنا لما ولدت أنت و تربيت في بيئة صحية و نشأت بهذا الفكر المنتج .. و أنا سعيدٌ جداً بما وصلت له و أنا فخورٌ بأن في قطيعي تيساً مثلك و لكن من المهم جداً أن لا تنسى أني أنا صاحب الفضل في وصولك لما وصلت له فلو لم أكن أحمي عائلتك فقد تكون رحت ضحية منذ كنت نطفة حقيرة .. و لكن كل هذا بفضلي .. قاطعه تيسون قائلاً : أنا أُقدر كل ما فعلته يا أيها الراعي الكريم .. و أنا لا أعرف كيف أرد لك هذا الجميل .. قاطعه الراعي قائلاً: اسمعني يا تيسون .. أنا سأشاركك في عملك و لكن مشاركتي ستكون بحماية ممتلكاتك كما أحميك و أسرتك .. و لكني سأفرض عليك بعض الضرائب مقابل استخدامك للمساحات في أرضي .. فاتفقا على ذلك ..
و مرت الايام و تجارة تيسون في تطوّر فصار محتاجاً لمن يساعده في أداء الأعمال فعرض على بعض الماشية العمل معه مقابل البرسيم اللذيذ مجاناً .. و لكن ما طلبوه بالمقابل كان عالياً في التكاليف .. فراح يفكر في طريقةٍ يوسع تجارته فيها بحيث لا يتضرر هو في تجارته إلى أن أتت الفكرة الجهنمية .. و هي أن يستورد الماشية التي ستساعده من الصحاري المجاورة ، و فعلا همّ بالسفر و وجد ضالته و احضر الماشية و بدأ العمل .. بعد فترة من الزمن لاحظ الراعي بأن العمل تزداد مكاسبه .. فراح يسأل تيسون عن تجارته و ما فعله فيها .. فعلمه بالذي حصل .. فابتسم الراعي و هو يدعك لحيته فقال : اسمعني يا تيسون .. ما اتفقنا عليه هو مقابل عملك لوحدك دون مساعدين .. و لكن هكذا العمل بدأ في ازدياد و مسؤوليتي كبرت فلا بد علي من زيادة الضرائب عليك .. فتسائل تيسون و هو حزين و رأسه الى الأرض قائلاً : و هل لي بخيارٍ آخر؟ .. رد الراعي مباشرة : لا .. فعملي لا يقل عن عملك .. إلا اذا كنت نسيت أفضالي عليك. فمشى تيسون و هو حزين و يفكر كيف يكمل عمله دون أن يتضرر حيث أن الراعي فرض عليه ما لا يطاق .. فلم يجد حلا غير أن يحاول أن يزيد المبيعات و بذلك تزداد ربحيته حيث ان هامش الربح قليل و متطلبات الحياة في ازدياد ، فراح يعمل بجدٍ و بدأ بتوسيع ميزانية الإعلام لتزيد مبيعات ظنا منه أنها الحل الوحيد ... و بالفعل وُفّق تيسون في عمله و زادت مبيعاته و الراعي ليس لديه الا المراقبة ففكر في خطة يضيّق فيها على تيسون المسكين .. فذهب له ذات يوم منادياً : تيسووون .. يا تيسوون ... هب مسرعا له تيسون و هو يدعو ربه بأن لا يخترع له مزيداً من الشروط و الأنظمة العجيبة التي بات معتاداً عليها : تفضل يا عمي الراعي .. ما ورائك ؟ .. رد عليه قائلاً : اسمع يا تيسون أنا أرى انك اجتهدت و عملت جاهداً و نجحت في اجتياز فترات عصيبة مضت و أنا جدا فخور بك و لكنني يعز علي أن أرى ابناء عمومتك هنا يأكلون ولا يعملون .. فأريد منك ان تعلمهم الصنعة و ان توعيهم على أهمية العمل .. رد تيسون : شكرا لك و لاهتمامك .. لكني فكرت فيهم ابتدائاً قبل ان ابدأ بالتوسع و لكنهم كانو يطلبون مالا أطيق دفعه لهم .. و هم أساساً لا يفكرون في غير النوم و الأكل .. و هذا ناهيك عن أني لا أحتاج إلى اضافة عمال .. حبث طاقتي الاستيعابية لا تحتمل أن أزيد من العمال .. فقال له : لكنهم ابناء جلدتك .. و يوما ما ستتركك الخراف المستوردة (و ما الك الا ولاد البلد) .. راح يفكر تيسون يقلبها يمينا و شمالاً و قال : و ماذا اصنع بمن معي من عمالة أكفاء من الخارج؟ .. قال له : يجب عليك أن تشغل عن كل خروف أجنبي خروفين مواطنين ... فرد عليه : و لكن لن اطيق دفع تكاليف اضافية .. رد عليه الراعي : مو شغلي .. دبر حالك ..

المهم تيسون انتحر و في رواية ان مرارته فقعت .. و توتة توتة .. خلصت الحدوتة .. حلوة ولا فتفوتة :)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق