تابعني على تويتر

الاثنين، 27 أغسطس 2012

القضاء .. بين القدر و التقدير

" يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر الركن السادس من أركان الإيمان والتي لا يتم الإيمان إلا بها ,على حسب ما جاء من الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة، وقد جاء في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب عندما قال" بينما نحن عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا نعرفه حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن إمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت ثلاثا ثم قال يا عمر هل تدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم" " من ويكيبيديا..

كما تعلمنا في المدرسة أن الإيمان بالقضاء و القدر خيره و شره هو ركن من أركان الإيمان التي لا يتم إيمانك إلان به ، فبدونه إيمانك يعد ناقصاً و لطالما حيرني هذا المفهوم الغريب بالنسبة لي و كنت اربطه بالدعاء بناءا على المقولة التي لا أعلم مصدها "ما يرد القضاء إلا الدعاء" و هل الدعاء يغير الأقدار أم انا من يغيرها؟.

إنه لمن المؤسف أن تكتشف فجأة أن ما كنت تعتقد أنك تؤمن به هو شيء أنت لا تؤمن به و لكنك تعلمت أنه يجب عليك أن تؤمن به أو لتعبير أدق أنك تؤمن به و لكن بطريقة مختلفة عما أُرغمت على الإيمان بها بسبب سلطة الخوف من المجهول و تسليم أمورك لشخص جعلك تعتقد أنه أقوى منك.

من ضمن المفاهيم التي تعلمناها هي الإيمان بالمهدي المنتظر و اتفق عليه وظيفيا جميع المسلمين و اختلفوا في أمر غير ذي أهمية و هو ولادته من عدمها ، و في الوقت ذاته تجد أن جميع الديانات السماوية و الوضعية تؤمن بخروج مخلص في آخر الزمان يخلص البشر الطيبين من البشر الأشرار ، و هنا يجب علينا التوقف عند هذه النقطة المهمة و هو حقيقة المخلص التي سنأخذها من جانب موضوعنا هذا من ناحية أنه قدر محتوم آت لا محالة ولا أريد تفصيله و قد نتطرق له بالتفصيل لاحقا في موضوع آخر ؛ الإنسان و جميع المخلوقات لها قدرة محدودة و إن كَبُرَ حجمها فعلى سبيل المثال و لنأخذ أحد الحيوانات البرية لنقارن قوتها الجسدية بالإنسان و ليكن القط و الأسد مقابل الإنسان و لنبدأ بالأسد ، كلنا يعرف يقيناً أن الأسد أقوى مني و من أي أحد منكم يقينا في قوته الجسدية لكن أنا استطيع التغلب عليه باستخدام (وسيلة) ما و كلّنا يعلم يقيناً أن القط أضعف مني و من أغلبكم جسديا و لكنه تحت (ظروف) معينة يتغلب علي ، إذاً هناك عاملان يدخلان في تحديد القوى و هما الوسيلة و الظروف فإذا أحسنت استخدامهما سيطرت بنفوذك على كل شيء تراه عيناك ، و لنبدأ بالظروف .. الإنسان بطبيعته يعلم بمحدودية طاقته فبالتالي يلجأ لمن هو أقوى منه ليحتمي به مقابل أي شيء يطلبه منه من هو أقوى منه ليوفر له الحماية و الشعور بالأمان و إن كان محدودا و هذا (ظرف) ، أما بالنسبة للوسيلة هنا اختلفت و تعددت و لكن حسب اطلاعي أن أنجحها و أكثرها تأثيرا كان استخدام الدين و هو شيء طبيعي حيث أن الدين يعتمد على إله لا يمكن إدراك ذاته لسبب أو لآخر و لكنه في المحصلة شيء خفي فبدأ الإنسان بوصفه بصفات لكي يكوّن له صورة معينة و هي تكمن بكونها صفات جيدة حسب ما يعتقد و قد تتوفر في البشر و لكنها في هذا الإله بشكل أمثل من لو طُبِّقَت هذه الصفات علينا مشعر البشر و هذه (وسيلة) للسيطرة على البشر ؛ أي الدين.

بغض النظر عن طريقة إيماني بالله و بالأنبياء و اصحابهم الخُلّص فأنا أؤمن بالواقع الذي أعيشه و الذي بُنِي على تاريخ مضى و تأسس عليه حاضرنا هذا فنرى الدول الدينية و الدول الغير دينية و عليكم التقييم ، رجال الدين في وقتنا الحالي هم من المفترض أن يكونوا خلفاء للأنبياء و بالتالي إلى الله على هذه الأرض ، فحسب ما تم ذكره يجب أن يكونوا خير تشبيه للإله الذي يمثلونه بعض النظر عن الديانة التي يتبعونها فهم يجب أن يكونوا بالمواصفات الأمثل قدر المستطاع حتى يكونون خير ممثلين لنبيهم أو أنبيائهم و ربهم بالمحصّلة و هذا ما أفترضه بهم ، و هنا سأعود للمخلص و الأثر السلبي للإيمان به (و لا أعني أن الإيمان به هو أمر غير جيد) و لكن ما أرمي له هو أنه في أغلب الأحيان يأخذه الناس على المفهوم السلبي ، كيف؟؛ أحد الناس هذه هو أنا ففي ظرف معين كنت أنوي الخروج (الانسحاب) من الجامعة بسبب هذا المخلص حيث أنه تحت (ظروف) معينة توافر فيها وقت مناسب لأشخاص معينين كانو كـ(وسيلة) أثروا فيَّ بشكلٍ غير مباشر و كانوا يتنبؤون بظهور المهدي في فترة معينة و كانت قريبة و كنت في أتممت السنة الأولى من دراستي الجامعية آنذاك ؛ و تندمت على كل لحظة أضعتها في الرياض حسب طريقة تفكيري في ذلك الوقت ، فكنت أتخيل الحرب التي سيأتي فيها المهدي لأنصره على الظلم و أني سأفديه بكل ما لدي لنصرته و في نفس الوقت لضيق مداركي و لم ألتفت أن المخلص يحتاج إلى بشر منهم المحارب و منهم العالم و منهم و منهم .. و بطبيعة الحال هذا المخلص لا يحتاج إلى ثيران مثلي في ذلك الوقت ، و أنا أدّعي أن أغلب البشر يسيؤون الإيمان بهذا المخلّص كما فعلت أنا فيستخدمونه كشماعة يلقون بقذاراتهم الحيوانية عليها كترديد "إذا طلع المهدي حيزبط الأمور" دون أن يشعر أنه أول شخص يجب على المخلص أن يتخلص منه ، و هنا يتوفر لنا الظرف و الوسيلة اللتان يمكن بهما أن نسيطر على بعض العقول و بالتالي الذوات فلذينا أناس يؤمنون بالجمال المستقبلي الخفي وراء المخلص و الوسيلة و هي الدين الذي يتمثل في رجل الدين.

كما ذكرنا في البداية أن المخلص بات في يومنا قدر محتوم على كل البشر سواءا أعجبهم ذلك أم لا ! ، فجدير بالذكر أن هناك نوعان للقدر و هما قدر محتوم و قدر تقدره أنت ، القدر المحتوم هو ما ليس لديك أي سلطوية عليه أو قدرة على التحكم به ولا أريد الإدلاء بمثال لما سيتبين لاحقاً و النوع الآخر هو ما تقدره أنت و ما هو تحت ظل إرادتك البحتة و هنا نقول مثل أن تقود السيارة في أحد الزقاقات الضيقة بسرعة عالية فكلنا نرجح أنك ستنتج بعملك إلى حادث شنيع ستموت فيه إما وحدك أو مع ضحايا آخرين وفقاً لنظرية الاحتمالات البحتة ، و في نفس الوقت (((قد))) لا يموت أحد بما فيهم أنت فنقول أن الله حماك لسبب أو لآخر و قد يكون هذا  مما يندرج تحت القدر المحتوم الذي ليس لديك سلطة عليه ، الإيمان بالقدر بهذه الطريقة غير مقبول .. لماذا؟! إن الأمر عاد لإرادتك البحتة فتستطيع أن تقود السيارة بتلك الطريقة المتهورة أو بالتزامك بقواعد السلامة فتحمي نفسك و غيرك فالأمر عائد لك أنت وحدك أو لتوضيح ما ذكرت بمثال آخر هناك دراسات تجزم بأن عمر المدخن يقل بعدد معين من السنوات كلما مارس التدخين ولا أريد الدخول في كيفية الحساب حيث أن لم يجرب العلماء تجربتهم على شخص غير مدخن و مات و أحيوه من جديد ليجعلوه يدخن فمات بعمر أقل لأن هذا كلام فارغ ، لكن العلم توصل أنك عندما تدخن فأعضائك الحيوية تتضرر بقدر معين أو تتأثر بشكل غير جيد مما يزيد احتمالية وفاتك في وقت أقل مما كنت ستكون عليه لو كانت أعضائك تستخدم بعناية أكبر و في نهاية الأمر أنت من اختار التدخين من عدمه ، و إن لم تتضح الصورة فلننظر إلى (الخيرة) مثلاً .. الخيرة هي عمل يقوم به الشخص لخوفه من اتخاذ قرار معين فيتجه لشيء آخر أو شخص آخر يعتقد فيه أنه أكثر أهليةً منه في اتخاذ القرار المعين للشيء المعين ليحصل على قرار من ذلك الشخص يشكل أفضل النتائج و هنا يتوفر لدينا (ظرف) و هو الخوف من المجهول و (وسيلة) الخيرة للسيطرة على اتخاذ القرار قد يكون مصيرياً في حياة أحدهم ليتخذ القرار عنه شخص آخر ، فنرى الطبيب النفسي يعالج مرضاه بطريقتان و هما واقعا نوعان مختلفان من التخصصات و المرض و مرحلته و لكني لا أعرف الترجمة العربية و لكن لتتضح الصورة فأحدهما يعالج بالأدوية و المهدئات و الأخر يستخدم الكلام فقط أو الاستماع للمريض ليعالجه به فيكون يحتاج لتفريغ شحنات سالبة فقط أي غير نتأثر حيوياً ، هنا أرى أن رجل الدين يلعب دوراً أقرب إلى الطبيب الذي يعالج بالكلام (الاستماع) و جعل المريض يُخرج ما بداخله من هموم ليلقي بالأعباء الثقيلة عليه كما تفعل أنت عندما تفتضفض عند الله عندما تدعوه و تبكي و تتضرع و هذا بناءا على ما وصلك من رجال دين عن الأنبياء و أعتقد أنا أنه نوع من العلاج النفسي بالدرجة الأولى حيث أنك ستشعر بالراحة و الطمأنينة عندما تلقي همومك على ربك و تسلمه أمرك و أن ما سيحدث لك سواءاً احببته أم كرهته فهو خير لك و تسلم نفسك و تسترخي أعصابك ((فإن حصل ما تريد قلت:"الحمدلله لله الذي وفقني" و إن حصل غير ذلك قلت "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" )) ففي النهاية تحصل على نوع من الرضا عن ما ستحصل عليه وفقاً لنتائج تحصل عليها بعد الدعاء و يكون يكون لديك تقبُّل لأي نتيجة مواتية كانت أم غير ذلك، إذاً الدعاء الدعاء ما هو إلا علاج نفسي يملأ الفراغ الروحاني الذي كنت بحاجة لملئه قبل لحظات الدعاء و تفريغ لشحنات سالبة.

ما أرمي إليه هو أنه أنت من يصنع القدر بعملك وحدك و لكن عليك أن تثق بنفسك في اتخاذ قراراتك أكثر و هذا لا ينافي أن تدعو ربك أو أن تصلي إليه ففي النهاية كلها عبارة عن ممارسات أنت تشعر بالرضا عن النفس بعد ممارستها و لكن أهم ما يجب عليك أن لا تجعل منها (ظرفاً) ليستغله من يملك (وسيلة) فيستخدمه ضدك فيملك كيانك و يسيطر على ذاتك فتصبح بعد ذلك عبداً له و هنا تكون رهن اشارته ، فإن كنت توفقت في مالكٍ جيد فسيحسن استخدامك و إلا فسيقل مقدارك شيئا فشيئا حتى تُسحق.

الحظ هو نفس القدر تماما ، انت من تصنع لك حظاً جيدا أو قدراً جيداً و العكس مطابق أيضاً ، فإذا صنعت لفسك (ظروفاً) تخدمك فسيسهل عليك إيجاد (الوسائل) المتعددة لأداء ما تصبو اليه جيداً كان أو سيئاً ..

أتمنى أن تكون فكرتي وصلت كما أريد أنا إيصالها دون إسهاب أو إنقاص و أنا أوردت بعض الأمثلة في موضوعنا هذا و هي لا تتعدى كونها أمثلة و ليست حقائق و هي قد تكون تجارب أنا مررت بها فأحببت مشاركتها ليستفيد منها غيري بدون أي تأويلات شخصية و أعتذر لكل من أذيت مشاعره بما كتبت أو مثَّلت دون أن أنتبه.

هناك 3 تعليقات:

  1. جميل ! أعجبتني طريقة التحليل مع بعض التحفظ عل نقطة التفويض للهروب من الأزمة. هي فعلا كما ذكرت ولكن في موقف آخراً كيف لك ان تهرب من أزمة الايمان بوجود الجن خاصة هؤلاء المتربصين لنا (حسب الورث الاجتماعي) في كل جانب ولا سلامة لك الا لانه لم يلتفت إليك بعد.. او مشكلة الإقرار بوجود السحر واستخدامه من بعضهم كسلاح للوصول لأمور معينة .. اعني بهذا كله ان تركيبة المسلمات و نتاج الورث هذا أفرزو نوع من evolution كحماية للنفس ومحاولة لتهدئة النفس والعقل ن ما ليس لك يد فيه ..

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك لإضافة تعليقك .. و لكن لا بد من الالتفات أن ما هو موروث اجتماعي ورثناه من أسلافنا هو واقع لا مفر منه .. سواءا أعجبنا أم لا .. لكن الرسالة الأهم و الأسمى هي ما سيكون موروث أبناءنا و أحفادنا .. فكما ورثنا من الأسلاف سيورث الأبناء و الأحفاد و لنا القرار في تحديد أنهم سيرثوننا بما ورثنا ((فقط)) أو سنورثهم ما ورثنا إضافةً إلى بصمتنا أو ما نرى أنه من الواجب تعديله بناءا على ما وجدنا من نتاج سلبي لهذا الموروث أو حتى إيجابي لكي لا أكون متحيزا ، فنورّث الجيد من موروثنا و نصلح السلبيات من هذه المواريث ، فلا أحبذ التحفظ في إبداء أي رأي و الاحتفاظ به للشخص نفسه فتضيق بذلك الشريحة المستفيدة مما يورثه الشخص (المتحفظ) :) و تكون حكرا له و لأبنائه أو من هم من ذويه و أقاربه.. و لهذا السبب أنشر بعض ما أراه في مدونتي ..

      حذف
  2. أدري اني جاي متأخر ( :

    أتفق معاك
    شماعة القضاء والقدر شلت التقدم الحضاري عند المسلمين مما أدى الي عدم الأخذ بالأسباب الطبيعيه في الحوادث وهذه خلقت مشاكل كثيرة متداخله مع بعضها البعض مثل انتشار الجهل، تأخر العلوم، انعدام الموضوعيه في الطرح، الاحباط،تقبل الواقع السيء، الهروب من المسؤوليه، كثرة انتشار الخرافه والشائعات، الأيمان الأعمى.

    للأسف المجتمع متشبع بهذه النظرة الموروثه الضيقه عن القضاء والقدر ، ممكن تصنف في صف الملحدين فقط للتساؤل في التناقض الذي تحمله هذه النظرة للقضاء والقدر خصوصا من البعض (الي يشوفه سوق مفتوح للرزقه) !!

    ردحذف